responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 439
أَكْرَمَنِي بِهِ قُلْتُهُ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ السُّكُوتُ وَتَرْكُ الِاقْتِرَاحِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا لَا يَقْدَحُ فِي الْغَرَضِ، لِأَنَّ ظُهُورَ الْقُرْآنِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ مُعْجِزَةٌ بَالِغَةٌ بَاهِرَةٌ، فَإِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الْوَاحِدَةُ كَانَتْ كَافِيَةً فِي تَصْحِيحِ النُّبُوَّةِ، فَكَانَ طَلَبُ الزِّيَادَةِ مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ، فَذَكَرَ فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ أَلْفَاظًا ثَلَاثَةً: أَوَّلُهَا:
قَوْلُهُ: هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أَصْلُ الْبَصِيرَةِ الْإِبْصَارُ، وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ سَبَبًا لِبَصَائِرِ الْعُقُولِ فِي دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْبَصِيرَةِ، تَسْمِيَةً لِلسَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبِّبِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَهُدىً وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّ النَّاسَ فِي مَعَارِفِ/ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ بَلَغُوا فِي هَذِهِ الْمَعَارِفِ إِلَى حَيْثُ صَارُوا كَالْمُشَاهِدِينَ لَهَا وَهُمْ أَصْحَابُ عَيْنِ الْيَقِينِ. وَالثَّانِي: الَّذِينَ مَا بَلَغُوا إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ إِلَّا أَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى دَرَجَاتِ الْمُسْتَدِلِّينَ: وَهُمْ أَصْحَابُ عِلْمِ الْيَقِينِ، فَالْقُرْآنُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِينَ وَهُمُ السَّابِقُونَ بَصَائِرُ، وَفِي حَقِّ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُمُ الْمُقْتَصِدُونَ هَدًى، وَفِي حَقِّ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةٌ، وَلَمَّا كَانَتِ الْفِرَقُ الثَّلَاثُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لا جرم قال: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

[سورة الأعراف (7) : آية 204]
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَظَّمَ شَأْنَ القرآن بقوله: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 203] أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ، يُقَالُ: نَصَتَ، وَأَنْصَتَ، وَانْتَصَتَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا شَكَّ أن قوله: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا أمره، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ وَاجِبًا، وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّا نُجْرِي هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالسُّكُوتُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِعَابِرِي الطَّرِيقِ، وَمُعَلِّمِي الصِّبْيَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْأَلُهُمْ، كَمْ صَلَّيْتُمْ وَكَمْ بَقِيَ؟ وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ بِحَوَائِجِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَرَأَ أَصْحَابُهُ وَرَاءَهُ رَافِعِينَ أَصْوَاتَهُمْ، فَخَلَطُوا عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
والقول الرَّابِعُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدِ اسْتَبْعَدَ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالَ اللَّفْظُ/ عَامٌّ وَكَيْفَ يَجُوزُ قَصْرُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لِأَنَّ لَفْظَةَ إِذَا تُفِيدُ الِارْتِبَاطَ، وَلَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ مَرَّةً وَاحِدَةً طُلِّقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ ثَانِيًا لَمْ تُطَلَّقْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ كَلِمَةَ (إِذَا) لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَا يُفِيدُ إِلَّا وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا أَوْجَبْنَا الِاسْتِمَاعَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ، فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُوجَبِ اللَّفْظِ وَلَمْ يَبْقِ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 439
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست